-->
404
نعتذر , لا نستطيع ايجاد الصفحة المطلوبة
  • العودة الى الصفحة الرئيسية
  • من كتاب كليله ودمنه




    ينبغي للعاقل أن يكون لهواه متهماً؛ ولا يقبل من كل أحدٍ حديثاً؛ ولا يتمادى في الخطأ إذا ظهر له خطؤه ولا يقدم على أمرٍ حتى يتبين له الصواب، وتتضح له الحقيقة؛ ولا يكون كالرجل الذي يحيد عن الطريق، فيستمر على الضلال، فلا يزداد في السير إلا جهداً، وعن القصد إلا بعداً؛ وكالرجل الذي تقذى عينه فلا يزال يحكها، وربما كان ذلك الحك سبباً لذهابها. 
    ويجب على العاقل أن يصدق بالقضاء والقدر، ويأخذ بالحزم، ويحب الناس ما يحب لنفسه، ولا يلتمس صلاح نفسه بفساد غيره، فإنه من فعل ذلك كان خليقاً أن يصيبه ما أصاب التاجر من رفيقه.
    فإنه يقال إنه كان رجلٌ تاجرٌ، وكان له شريكٌ، فاستأجرا حانوتاً، وجعلا متاعهما فيه. وكان أحدهما قريب المنزل من الحانوت؛ فأضمر في نفسه أن يسرق عدلاً من أعدال رفيقه؛ ومكر الحيلة في ذلك، وقال: إن أتيت ليلاً لم آمن من أن أحمل عدلاً من أعدالي أو رزمة من رزمي ولا أعرفها؛ فيذهب عنائي وتعبي باطلاً. فأخذ رداءه، وألقاه على العدل الذي أضمر أخذه. ثم انصرف إلى منزله. وجاء رفيقه بعد ذلك ليصلح أعداله، فوجد رداء شريكه على بعض أعداله، فقال: والله هذا رداء صاحبي؛ ولا أحسبه إلا قد نسيه. وما الرأي أن أدعه هاهنا؛ ولكن اجعله على رزمه؛ فلعله يسبقني إلى الحانوت فيجده حيث يحب. ثم أخذ الرداء فألقاه على عدلٍ من أعدال رفيقه ومعه رجلٌ قد واطأه على ما عزم عليه، وضمن له جعلاً على حمله؛ فصار إلى الحانوت؛ فالتمس الإزار في الظلمة فوجده على العدل؛ فاحتمل ذلك العدل؛ وأخرجه هو والرجل، وجعلا يتراوحان على حمله؛ حتى أتى منزله، ورمى نفسه تعباً. فلما أصبح افتقده فإذا هو بعض أعداله؛ فندم أشد الندامة. ثم انطلق نحو الحانوت، فوجد شريكه قد سبقه إليه ففتح الحانوت ووجد العدل مفقوداً: فاغتم لذلك غماً شديداً؛ وقال: واسوءتاه من رفيق صالحٍ قد ائتمنني على ماله وخلفني فيه! ماذا يكون حالي عنده؟ ولست أشك في تهمته إياي. ولكن قد وطنت نفسي على غرامته. ثم أتى صاحبه فوجده مغتماً، فسأله عن حاله؛ فقال إني قد افتقدت الأعدال، وفقدت عدلاً من أعدالك، ولا أعلم بسببه؛ وإني لا أشك في تهمتك إياي؛ وإني قد وطنت نفسي على غرامته. فقال له: يا أخي لا تغتم: فإن الخيانة شر ما عمله الإنسان، والمكر والخديعة لا يؤديان إلى خيرٍ؛ وصاحبهما مغرور أبداً، وما عاد وبال البغي إلا على صاحبه: وكيف كان ذلك؟ فأخبره بخبره، وقص عليه قصته.

     فقال له رفيقه: ما مثلك إلا مثل اللص والتاجر. فقال له: وكيف كان ذلك؟ قال: زعموا أن تاجراً كان له في منزله خابيتان إحداهما مملوءة حنطة، والأخرى مملوءة ذهباً. فترقبه بعض اللصوص زماناً، حتى إذا كان بعض الأيام تشاغل التاجر عن المنزل؛ فتغفله اللص، ودخل المنزل، وكمن في بعض نواحيه. فلما هي بأخذ الخابية التي فيها الدنانير أخذ التي فيها الحنطة، وظنها التي فيها الذهب؛ ولم يزل في كدٍ وتعبٍ حتى أتى بها منزله فلما فتحها وعلم ما فيها ندم. قال له الخائن: ما أبعدت المثل، ولا تجاوزت القياس؛ وقد اعترفت بذنبي وخطئي عليك، وعزيز علي أن يكون هذا كهذا. غير أن النفس الرديئة تأمر بالفحشاء. فقبل الرجل معذرته، وأضرب عن توبيخه وعن الثقة به؛ وندم هو عندما عاين من سوء فعله وتقديم جهله.

    د.ساره حسان طبيبة بشريه ومدونة عربيه من مصر شاعره متخصصه في الشعر العمودي هدفي الإرتقاء بالقصيدة العربيه أحب التدوين وأدب المقال والشعر العربي

    الكاتب : df

    ليست هناك تعليقات:

    إرسال تعليق

    جميع الحقوق محفوظة ل سطور الأمل
    تصميم : Dr.Sara Hassaan