القاضي الفاضل والملك الناصر
ومن سحر البيان أيضا ما حكي أن القاضي الفاضل كان له صديق خصيص به، وكان صديقه هذا قريبا من الملك الناصر صلاح الدين، وكان فيه فضيلة تامة، فوقع بينه وبين الملك أمر، فغضب عليه، وهمّ بقتله، فتسحب إلى بلاد التتر، وتوصل إلى أن صار وزيرا عندهم، وصار يعرف التتر كيف يتوصل إلى الملك الناصر بما يؤذيه، فلما بلغه ذلك نفر منه وقال للفاضل: اكتب إليه كتابا عرّفه فيه أنني أرضى عليه، واستعطفه غاية الاستعطاف إلى أن يحضر، فإذا حضر قتلته، واسترحت منه، فتحير الفاضل بين الاثنين، صديقه يعز عليه، والملك لا يمكنه مخالفته، فكتب إليه كتابا واستعطفه غاية الاستعطاف، ووعده بكل خير من الملك، فلما انتهى الكتاب ختمه بالحمدلة والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم وكتب إن شاء الله تعالى كما جرت به العادة في الكتب، فشدد «إن» ثم أوقف الملك على الكتاب قبل ختمه، فقرأه في غاية الكمال وما فهم إن، وكان قصد الفاضل{ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ}
، فلما وصل الكتاب إلى الرجل فهمه، وكتب جوابه بأنه سيحضر عاجلا، فلما أراد أن ينهي الكتاب، ويكتب إن شاء تعالى مد النون وجعل في آخرها ألفا وأراد بذلك {إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها}.
فلما وصل الكتاب إلى الفاضل فهم الإشارة، ثم أوقف الملك على الجواب بخطه، ففرح بذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق