خلِيليّ، عوجا اليومَ حتى تُسَلّما |
على عذبة ِ الأنياب، طيبة ِ النشرِ |
فإنكما إن عُجتما ليَ ساعة ً، |
شكرتكما ، حتى أغيّبَ في قبري |
ألما بها، ثم اشفعا لي، وسلّما |
عليها، سقاها اللهُ من سائغِ القطرِ |
وبوحا بذكري عند بثنة َ ، وانظرا |
أترتاحُ يوماً أم تهشُّ إلى ذكري |
فإن لم تكنْ تقطعْ قُوى الودّ بيننا، |
ولم تنسَ ما أسلفتُ في سالفِ الدهرِ |
فسوف يُرى منها اشتياقٌ ولوعة ٌ |
ببينٍ، وغربٌ من مدامعها يجري |
وإن تكُ قد حالتْ عن العهدِ بَعدنا، |
وأصغتْ إلى قولِ المؤنّبِ والمزري |
فسوف يُرى منها صدودٌ، ولم تكن، |
بنفسيَ، من أهل الخِيانة ِ والغَدر |
أعوذ بكَ اللهمُ أن تشحطَ النوى |
ببثنة َ في أدنى حياتي ولا حَشْري |
وجاور، إذا متُّ ، بيني وبينها، |
فيا حبّذا موتي إذا جاورت قبري! |
عدِمتُكَ من حبٍّ، أما منك راحة ٌ، |
وما بكَ عنّي من تَوانٍ ولا فَتْر؟ |
ألا أيّها الحبّ المُبَرِّحُ، هل ترى |
أخا كلَفٍ يُغرى بحبٍّ كما أُغري؟ |
أجِدَّكَ لا تَبْلى ، وقد بليَ الهوى ، |
ولا ينتهي حبّي بثينة َ للزّجرِ |
هي البدرُ حسناً، والنساءُ كواكبٌ، |
وشتّانَ ما بين الكواكب والبدر! |
لقد فضّلتْ حسناً على الناس مثلما |
على ألفِ شهرٍ فضّلتْ ليلة القدرِ |
عليها سلامُ اللهِ من ذي صبابة ٍ، |
وصبٍّ معنّى ً بالوساوس والفكرِ |
وإنّكما، إن لم تَعُوجا، فإنّني |
سأصْرِف وجدي، فأذنا اليومَ بالهَجر |
أيَبكي حَمامُ الأيكِ من فَقد إلفه، |
وأصبِرُ؟ ما لي عن بثينة َ من صبر! |
وما ليَ لا أبكي، وفي الأيك نائحٌ، |
وقد فارقتني شختهُ الكشح والخصرِ |
يقولون: مسحورٌ يجنُّ بذكرها، |
وأقسم ما بي من جنونٍ ولا سحرِ |
وأقسمُ لا أنساكِ ما ذرَّ شارقٌ |
وما هبّ آلٌ في مُلمَّعة ٍ قفر |
وما لاحَ نجمٌ في السماءِ معلّقٌ، |
وما أورقَ الأغصانُ من فننِ السدرِ |
لقد شغفتْ نفسي، بثينَ، بذكركم |
كما شغفَ المخمورُ، يا بثنَ بالخمرِ |
ذكرتُ مقامي ليلة َ البانِ قابضاً |
على كفِّ حوراءِ المدامعِ كالبدرِ |
فكِدتُ، ولم أمْلِكْ إليها صبَابَة ً، |
أهيمُ، وفاضَ الدمعُ مني على نحري |
فيا ليتَ شِعْري هلْ أبيتنّ ليلة ً |
كليلتنا، حتى نرى ساطِعَ الفجر، |
تجودُ علينا بالحديثِ، وتارة ً |
تجودُ علينا بالرُّضابِ من الثغر |
فيا ليتَ ربي قد قضى ذاكَ مرّة ً، |
فيعلمَ ربي عند ذلك ما شكري |
ولو سألتْ مني حياتي بذلتها، |
وجُدْتُ بها، إنْ كان ذلك من أمري |
مضى لي زمانٌ، لو أُخَيَّرُ بينه، |
وبين حياتي خالداً آخرَ الدهرِ |
لقلتُ: ذروني ساعة ً وبثينة ً |
على غفلة ِ الواشينَ، ثم اقطعوا عمري |
مُفَلَّجة ُ الأنيابِ، لو أنّ ريقَها |
يداوى به الموتى ، لقاموا به من القبرِ |
إذا ما نظمتُ الشعرَ في غيرِ ذكرها، |
أبى ، وأبيها، أن يطاوعني شعري |
فلا أُنعِمتْ بعدي، ولا عِشتُ بعدها، |
ودامت لنا الدنيا إلى ملتقى الحشرِ |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق